حركة التأليف في عصر المماليك
مقال: حركة التأليف في عصر المماليك في المشرق والمغرب
شكل عصر المماليك (648-923هـ / 1250-1517م) في المشرق العربي، وعصر الدول المتعاقبة (المرينيون، الحفصيون، الزيانيون) في المغرب العربي، حقبة ذهبية للحضارة الإسلامية رغم الظروف السياسية والعسكرية الصعبة. تميزت هذه الفترة بازدهار حركة التأليف والتصنيف بشكل غير مسبوق، حيث أصبحت المدن مثل القاهرة ودمشق وفاس وتلمسان مراكز إشعاع ثقافي وعلمي.
أسباب ازدهار حركة التأليف:
الاستقرار النسبي والرخاء الاقتصادي: بعد صد الغزو المغولي والصليبي، حقق المماليك استقرارًا أمنيًا سمح بالنهوض بالاقتصاد ودعم الحركة الثقافية.
الرعاية الرسمية: اهتم السلاطين والأمراء ببناء المدارس (كالمدرسة الظاهرية في دمشق والقاهرة) وخزانات الكتب، وجلبوا العلماء وحفزوهم على التأليف بالهبات والعطايا.
المنافسة بين العلماء: شجعت البيئة العلمية التنافس على التأليف وتقديم الأفضل، مما أنتج موسوعات ضخمة وشروحًا مطولة.
جمع التراث وحفظه: كان هناك خوف حقيقي من ضياع التراث الإسلامي بعد سقوط بغداد، فانصب جهد العلماء على جمع وتلخيص وشروح ما كُتب في العصور السابقة.
مظاهر وخصائص حركة التأليف:
التأليف الموسوعي: ظهرت كتب ضخمة تجمع المعرفة في مجال محاول، مثل:
في التاريخ: "مروج الذهب" للمسعودي (على الرغم من أنه سبق العصر، إلا أن منهجه استمر)، و"البداية والنهاية" لابن كثير، و"فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي.
في الجغرافيا: "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العمري.
في الأدب: "نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري.
ظاهرة الشرح والتلخيص: كثرت الشروح على الكتب القديمة والمختصرات، مثل شروح "صحيح البخاري" و"ألفية ابن مالك" في النحو.
التصنيف حسب الوظائف: انتشرت الكتب الموجهة لموظفي الدولة، مثل كتب "الكتاب" التي تعلم أصول الكتابة الإدارية.
تنوع المجالات: لم يقتصر التأليف على العلوم الشرعية (التفسير، الحديث، الفقه) فقط، بل امتد إلى العلوم العقلية (الفلسفة، المنطق، الطب)، والتاريخ، والجغرافيا، والأدب، والتراجم.
أبرز العلماء والمؤلفين:
في المشرق:
ابن خلدون: (مؤسس علم الاجتماع) ألف "مقدمة ابن خلدون" و"كتاب العبر".
القلقشندي: صاحب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" (موسوعة في أصول الكتابة الديوانية).
ابن كثير: مؤلف "تفسير القرآن العظيم" و"البداية والنهاية" في التاريخ.
النويري: صاحب "نهاية الأرب في فنون الأدب".
المقريزي: المؤرخ الكبير صاحب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار".
في المغرب: (عصر المرينيين والحفصيين)
ابن بطوطة: أشهر رحالة في التاريخ، ألف "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".
ابن مرزوق: مؤرخ وقاضي، له "المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن".
السيوطي: (على الرغم من أنه مصري، إلا أن تأثيره شمل المغرب) وهو من أكثر المؤلفين غزارة في التأليف.
لسان الدين بن الخطيب: الأندلسي الذي هاجر إلى المغرب، وصاحب كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة".
خاتمة:
مثلت حركة التأليف في عصر المماليك والدول المغربية Contemporary لها جهدًا حفظ تراث الأمة السابق وأضاف إليه إضافات نوعية. لقد كانت رد فعل حضاري على التحديات العسكرية، وساهمت في الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية وتطوير المعارف الإنسانية في فترة كانت أوروبا تغط فيها سباتًا عميقًا.
أسئلة وأجوبة (FAQ):
س١: لماذا ازدهرت حركة التأليف في عصر المماليك رغم كثرة الحروب؟
ج١: لأن الدولة رأت في دعم العلم والثقافة وسيلة لتثبيت شرعيتها وإظهار عظمة الحضارة الإسلامية بعد الانتصارات العسكرية، كما أن الخوف من ضياع التراث بعد سقوط بغداد كان دافعًا قويًا للحفظ والتأليف.
س٢: ما الفرق بين حركة التأليف في المشرق والمغرب في تلك الفترة؟
ج٢: في المشرق، كان التأليف أكثر تنظيمًا وارتباطًا بمؤسسات الدولة الرسمية (المدارس، الخزائن) وتميز بالموسوعية الضخمة. أما في المغرب، فكان أكثر ارتباطًا بالزوايا والعلماء الأفراد، مع اهتمام كبير بالتاريخ المحلي والأدب والأندلسيات، خاصة بعد سقوط الأندلس.
س٣: ما هي ظاهرة "الشرح والتلخيص" ولماذا انتشرت؟
ج٣: هي ظاهرة تأليف كتب لشرح الكتب الأساسية القديمة أو اختصارها. انتشرت بسبب الرغبة في تسهيل العلوم على الطلاب، وحفظ المتون الأصلية من الضياع، وإبداء البراعة العلمية للعالم في فهم النصوص وتفصيلها.
س٤: اذكر مثالاً على كتاب موسوعي من العصر واذكر مجاله ومؤلفه.
ج٤: كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي. وهو موسوعة في أصول الكتابة الديوانية والإدارة وأحوال الدولة.
خلاصة (Summary):
الزمان: عصر المماليك في المشرق (1250-1517م) والعصر الموازي له في المغرب.
السبب الرئيسي: الرعاية الرسمية + الرغبة في حفظ التراث بعد سقوط بغداد + الاستقرار النسبي.
أهم المظاهر: التأليف الموسوعي الضخم - ظاهرة الشرح والتلخيص - كتب الوظائف (الكتاب) - تنوع المجالات.
النتيجة: حفظ التراث الإسلامي والعربي وتطويره، وانتقاله للأجيال اللاحقة.
امتحان نموذجي مع الحل:
السؤال الأول: عرف بالمؤلفين والتعريفات الآتية:
ابن خلدون
التأليف الموسوعي
كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"
السؤال الثاني: "شكل عصر المماليك نقطة مضيئة في تاريخ الحركة العلمية". اذكر أربعة أسباب تدعم هذه الفكرة.
السؤال الثالث: ما المقصود بظاهرة "الشرح والتلخيص"؟ وما أسباب انتشارها في هذا العصر؟
السؤال الرابع: قارن بين حركة التأليف في المشرق والمغرب العربي خلال هذه الفترة من حيث طبيعتها وأسباب الازدهار.
إجابات الامتحان النموذجي:
إجابة السؤال الأول:
ابن خلدون: مؤرخ وفيلسوف اجتماعي مغربي، يعتبر مؤسس علم الاجتماع، من أشهر مؤلفاته "مقدمة ابن خلدون" و"كتاب العبر".
التأليف الموسوعي: هو تأليف كتب كبيرة الحجم تجمع المعرفة في مجال معين أو في عدة مجالات، وتهدف إلى الإحاطة الشاملة بموضوعها.
كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار": هو كتاب رحلات أشهر رحالة في التاريخ ابن بطوطة، يصف فيه رحلته الطويلة حول العالم ويدون ملاحظاته عن البلدان والشعوب.
إجابة السؤال الثاني:
أربعة أسباب لازدهار الحركة العلمية في عصر المماليك:
تحقيق الاستقرار الأمني والنسبي بعد التصدي للغزو المغولي والصليبي.
الرعاية الكبيرة من السلاطين والأمراء الذين بنوا المدارس وخزانات الككر و شجعوا العلماء.
الخوف من ضياع التراث الإسلامي بعد سقوط بغداد، مما دفع العلماء لجمعه و حفظه.
المنافسة العلمية الشديدة بين العلماء والتي أدت إلى الإبداع والتطوير في التأليف.
إجابة السؤال الثالث:
المقصود: هي ظاهرة قيام العلماء بشرح الكتب الأساسية القديمة ("المتون") لتوضيح غامضها، أو اختصارها لتسهيلها على المتعلمين.
أسباب الانتشار:
الرغبة في تسهيل العلوم ونشرها among الطلاب.
حفظ المتون الأصلية من الضياع عن طريق شرحها ودراستها.
إظهار براعة العالم ومقدرته على الاستنباط والتفصيل.
حاجة الدولة إلى مختصرات في العلوم تساعد في تعليم موظفيها.
إجابة السؤال الرابع:
| الوجه | حركة التأليف في المشرق (المماليك) | حركة التأليف في المغرب |
|---|---|---|
| الطبيعة | أكثر رسمية ومؤسساتية (مرتبطة بالمدارس والدولة). تميزت بالموسوعات الضخمة والشروح الكبيرة. | أكثر ارتباطًا بالزوايا والعلماء الأفراد. تميزت بالاهتمام بالتاريخ المحلي والأدب وتراث الأندلس. |
| أسباب الازدهار | رعاية الدولة المباشرة، الثروة الاقتصادية، مركزية الدولة. | هجرة علماء الأندلس، دور الزوايا في رعاية العلم، الاهتمام بالهوية في مواجهة التحديات. |

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire