آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الرمز والأسطورة في الشعر المعاصر

 


مقال: الرمز والأسطورة في الشعر العربي المعاصر

مقدمة:
شكّل الشعر العربي المعاصر نقلة نوعية في بنية القصيدة وأدواتها التعبيرية، حيث تمرد على الأغراض التقليدية وابتكر لغة شعرية جديدة. وكان من أبرز ملامح هذه النقلة الانزياحُ نحو العالم الداخلي للشاعر، واللجوء إلى الرمز والأسطورة كوسيلتين أساسيتين للتعبير عن هموم الذات والمجتمع، وهروبًا من المباشرة والخطابية، وخلقًا لعوالم إيحائية تثري النص وتفتحه على تأويلات متعددة.

1- مفهوم الرمز والأسطورة:

  • الرمز (Symbol): هو علامة أو إشارة أو صورة تنوب عن فكرة أو عاطفة أو موقف مجرد، وتحمل دلالات تتجاوز معناها المباشر والحرفي. وهو أداة لتكثيف التجربة الشعرية وإضافة طبقات من العمق والدلالة. مثل: استخدام "السفينة" رمزًا للخلاص أو الرحلة الوجودية، و"العصفور الجريح" رمزًا لفلسطين أو للحرية المغدورة.

  • الأسطورة (Myth): هي حكاية مقدسة أو تقليدية ترجع إلى عصور سحيقة، تقدم تفسيرًا للكون والوجود وتجسد صراعات البشر الأساسية (الخير والشر، الحياة والموق، الحب والموت). يستعير الشاعر المعاصر شخصيات أو وقائع من الأساطير اليونانية والرومانية والعربية وغيرها ليعيد تشكيلها ويوظفها للتعبير عن قضايا معاصرة. مثل: توظيف شخصية "سيزيف" رمزًا للجهد الإنساني العقيم، أو "عشتار" رمزًا للخصوبة والحب.

2- أسباب اللجوء إلى الرمز والأسطورة:

  • التهرب من الرقابة: في فترات القمع السياسي، أصبح الرمز والأسطورة لغة مقاومة ملتوية تعبر عن السخط والرفض دون مواجهة مباشرة.

  • التعبير عن تعقيد التجربة الإنسانية: عجزت اللغة المباشرة عن التعبير عن حالات القلق الوجودي والضياع والبحث عن الذات في العالم المعاصر، فكان الرمز والأسطورة وسيلة للتعبير عن هذا العالم المعقد.

  • خلق عالم شعري مكثف ومتخيل: يسهمان في إثراء النص بانزياحاته عن المألوف، مما يمنح القارئ متعة المشاركة في فك شفرات النص وتأويله.

  • تحقيق الموضوعية: يحولان التجربة الذاتية للشاعر إلى تجربة إنسانية عامة من خلال توظيف رموز وأساطير لها صفة الكونية والخلود.

3- أبرز الشعراء الذين وظفوا الرمز والأسطورة:

  • بدر شاكر السياب: أشهر من وظف الأسطورة في شعره، خاصة أسطورة عشتار (الخصوبة والحب) وتموز (الموت والبعث) في قصائد مثل "أنشودة المطر" و"المومس العمياء"، ليعبر عن آماله في بعث الوطن العربي من خلال الموت والدمار.

  • أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر): غاص في التراث الصوفي والأسطوري لخلق رموز جديدة معقدة تعبر عن رؤيته الثورية للتغيير والتحول، مستخدمًا أساطير مثل أدونيس وفينيق.

  • صلاح عبد الصبور: وظف الأسطورة لتجسيد الصراع الداخلي والإنسانوي، كما في مسرحيته الشعرية "مأساة الحلاج" التي يتخذ من شخصية الحلاج الصوفي رمزًا للمثقف الثوري المصلح الذي يضحي بنفسه في مواجهة السلطة المستبدة.

  • نازك الملائكة: استخدمت الرموز الطبيعية (الشجر، الطير، المطر) للتعبير عن حالات نفسية واجتماعية عميقة.

خاتمة:
أصبح الرمز والأسطورة عمادَ الشعر العربي المعاصر، وساعدا على نقل القصيدة من الوظيفة البلاغية والخطابية إلى وظيفة فنية وجودية عميقة. لم يكونا مجرد زينة أو تقليد أعمى للغرب، بل كانا استجابة لحاجة موضوعية للتعبير عن واقع جديد ومعقد، مما أثرى التجربة الشعرية وجعلها حوارًا خلاقًا بين التراث الإنساني والهم المعاصر، وبين الشاعر والقارئ.


أسئلة وأجوبة:

(أ) أسئلة النقد والتقويم والرأي:

  1. ما رأيك في قول بعض النقاد: "لجوء الشعراء إلى الرمز والأسطورة أدى إلى غموض القصيدة وعزلها عن جمهورها الواسع"؟

    • الإجابة (رأي): هذا القول يحمل جزءًا من الصحة، فالإفراط في استخدام الرموز الغامضة أو الأساطير النادرة قد يبني جدارًا بين القصيدة والقارئ العادي. لكن الغموض هنا ليس عيبًا دائمًا، بل هو غموض إيجابي يثير التأمل ويحفز الذهن على البحث والتأويل. الشعر الجيد لا يقدم معانيه جاهزة، بل يشارك القارئ في بنائها. المهم هو وجود توازن بين العمق الفني والقدرة على التواصل.

  2. قارن بين توظيف الرمز في الشعر الكلاسيكي (كالاستعارة المكنية والتصريحية) وتوظيفه في الشعر المعاصر.

    • الإجابة (تقويم): في الشعر الكلاسيكي، كان الرمز جزئيًا ومحكومًا بقالب البلاغة التقليدية (كاستعارة "أسد" للشجاعة). كان وسيلة لتجميل المعنى أكثر من كونه بنية قائمة بذاتها. أما في الشعر المعاصر، فصار الرمز بنية شاملة للقصيدة بأكملها، حيث يتشكل العالم الشعري عبر شبكة معقدة من الرموز المتداخلة (قصيدة النثر أو التفعيلة)، مما يجعلها تحمل رؤية فلسفية أو وجودية متكاملة، وهو ما يجعلها أكثر تعقيدًا وعمقًا من الناحية الرمزية.

(ب) أسئلة تحليل الرأي والحجج:
3. يقول أدونيس: "الانزياح عن المألوف هو جوهر الشعر". كيف يخدم الرمز والأسطورة هذا الانزياح في رأيه؟
الإجابة (تحليل): يرى أدونيس أن الشعر الحقيقي هو الذي يكسر المألوف في اللغة والفكر. الرمز والأسطورة هما أبرز أدوات هذا الكسر، لأنهما:
يخرجان باللغة من دلالاتها المباشرة إلى دلالات إيحائية غير مألوفة.
يخلقان عالمًا موازيًا للواقع، قائمًا على المخيلة واللاوعي.
يقوضان المنطق السطحي ويقدمان رؤية أكثر شمولية وتعقيدًا للوجود.
وبالتالي، فهما ليسا مجرد زينة، بل هما أساس الرؤية الشعرية الجديدة التي تدعو إليها الحداثة.

  1. ما الحجج التي قدمها الشعراء لتبرير لجوئهم المكثف إلى الأسطورة؟

    • الإجابة (تحليل الحجج):

      • حجة الكونية: الأسطورة تجربة إنسانية خالدة، توصل تجربة الشاعر الذاتية إلى مستوى عالمي.

      • حجة العمق التاريخي: توفر الأسطورة عمقًا زمنيًا وتراكمًا دلاليًا يثري النص ويضيف أبعادًا تراجيدية له.

      • حجة التعبير غير المباشر: في ظل المناخات السياسية القمعية، كانت الأسطورة قناعًا آمنًا للتعبير عن الأفكار الثورية والمحظورة.

      • حجة التكثيف الفنّي: تختزل الأسطورة حكاية كاملة في صورة واحدة، مما يوفر للمتلقي إحالة قوية ومكثفة.

(ج) أسئلة التركيب والتقويم:
5. بماذا تفسر تركيز شعراء مثل السياب على أسطورة "تموز" (الموت والبعث) بشكل خاص؟ (تركيب)
الإجابة: يعكس هذا التركيز الروح الأمل التي كانت سائدة في منتصف القرن العشرين رغم السوداوية. كان الشعراء يرون أن مجتمعاتهم تمر بمرحلة "موت" أو سبات (الاستعمار، التخلف، الهزيمة)، لكن هذا الموت هو مقدمة حتمية "لقيامة" أو نهضة جديدة، تمامًا كما يموت توز في الشتاء ليبعث من جديد في الربيع. فهي أسطورة تعبر عن diagnóstico واقعي قاسٍ، ولكن مع نظرة تفاؤلية لمستقبل البعث والتحرر.

  1. قوّم أثر توظيف الرمز والأسطورة على مسيرة القصيدة العربية الحديثة.

    • الإجابة (تقويم):

      • الإيجابيات: نقل القصيدة من البلاغة إلى الإيحاء، وأغنى اللغة الشعرية، ووسع دائرة الموضوعات لتشمل الهم الوجودي والفلسفي، وخلق شعرًا كونيًا، وكسر حواجز الرقابة، وجعل القراءة عملية إبداعية مشاركة.

      • السلبيات: أدى أحيانًا إلى الغموض والعزلة عن الجمهور، وأصبح عند بعض المقلدين مجرد تقليد فارغ أو ترف فكري، وقطع في بعض تجارب الصورة الشعرية عن جذورها التراثية العربية لصالح أساطير غربية بحتة.


نصائح للطالب:

  • اقرأ النص أكثر من مرة: لا تبحث عن المعنى من القراءة الأولى. دع الرموز تستقر في ذهنك.

  • ابحث عن خلفية الأسطورة: إذا تعرفت على شخصية أسطورية، ابحث عن قصتها الكاملة لفهم لماذا اختارها الشاعر.

  • ربط الرمز بالسياق: لا تفسر الرمز بمعزل عن السياق العام للقصيدة والسياق التاريخي لحياة الشاعر.

  • احترم تعدد التأويلات: ليس هناك تفسير واحد صحيح مطلقًا. قدم تفسيرك مدعومًا بالأدلة من النص.

  • تجنب التفسير المباشر والسطحي: لا تقل "العصفور هو عصفور"، بل ابحث عن الدلالة الرمزية (الحرية، الروح، الوطن...).


خلاصة:

  • الرمز والأسطورة أداة أساسية في الشعر المعاصر للهروب من المباشرة والتعبير عن عالم داخلي ومعقد.

  • aims إلى تحقيق التكثيف، الموضوعية، العمق الفلسفي، وحماية النص من الرقابة.

  • السياب وأدونيس وعبد الصبور من أبرز رواد هذا الاتجاه.

  • له إيجابيات (إثراء النص) وسلبيات (الغموض أحيانًا).

  • فهمه يتطلب قراءة متأنية وربطًا بالسياق والتراث.


امتحان نموذجي مع الحل:

السؤال الأول:
عرف كلاً من:
أ- الرمز.
ب- الأسطورة.

السؤال الثاني:
"أسمعْ صوتَهُ يعلوْ: أَعِدُّوْا ليَ المَجدَ
وأعيدوا ليَ الأفْعَانَ والرُّمحَ والخُوذَهْ
وأعيدوا ليَ الصَّمْصامَةَ المأْثُورَ عنْ أَبي
وعنْ جَدِّي، وَأَسْطورَةَ الأَطْفالِ، أَعِيدُوهَا"
(من قصيدة "الأسلحة والأطفال" لأدونيس)

حلل توظيف الشاعر للأسطورة في هذا المقطع، موضحًا هدفه من ذلك.

السؤال الثالث:
ما الأسباب التي دفعت الشعراء في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي للجوء المكثف إلى الرمز والأسطورة؟

السؤال الرابع:
قال ناقد: "لقد أغرق الشعر المعاصر نفسه في الرمزية والأساطير حتى فقد صلته بالجمهور". اذكر رأيك في هذه المقولة، مبديًا حججك.


نموذج الإجابة:

الإجابة عن السؤال الأول:
أ- الرمز: هو علامة أو إشارة أو صورة حسية (كائن، شخص، مكان، حدث) تنوب عن فكرة مجردة أو عاطفة أو موقف، وتحمل دلالات تتجاوز معناها المباشر المألوف لتوحي بتأويلات متعددة.
ب- الأسطورة: حكاية تقليدية أو مقدسة تنتقل عبر الأجيال، تحكي عن الآلهة والأبطال وأصول العالم، وتعبر عن معتقدات جماعة ما وتقدم تفسيرًا للظواهر الطبيعية والوجودية بطريقة خارقة.

الإجابة عن السؤال الثاني:

  • التحليل: يوظف أدونيس هنا الأسطورة توظيفًا نقديًا وساخرًا. فهو لا يستدعيها للتمجيد بل لكشف وهنها. إنه يطلب إعادة "أسطورة الأطفال" وهي أسطورة بالية ومكررة لم تعد تنطلي على أحد.

  • الهدف: يهدف الشاعر إلى تفكيك الخطاب السلطوي التقليدي الذي يعيد إنتاج نفس الأساطير والقصص البطولية المزيفة لتبرير وجوده وتغييب وعي الجماهير ("الأطفال" رمز للسذاجة وعدم النضج). إنه يهاجم أولئك الذين يعيشون على أمجاد أسطورية من الماضي instead of مواجهة مشاكل الحاضر. التوظيف هنا تهكيمي نقدي وليس تمجيديًا.

الإجابة عن السؤال الثالث:

  • الرغبة في التعبير عن الإحساس بالقلق والضياع والبحث الوجودي الذي ساد بعد الحروب والنكبات.

  • مواجهة الرقابة السياسية والقمع في العديد من الأقطار العربية، فكان الرمز والأسطورة لغة ملتوية وآمنة.

  • التأثر بالاتجاهات الشعرية العالمية (كالرمزية الفرنسية والتصويرية الإنجليزية) التي أعطت أولوية للصورة الرمزية.

  • السعي لتجديد اللغة الشعرية والخروج من أطر البلاغة التقليدية المباشرة إلى لغة الإيحاء والتكثيف.

الإجابة عن السؤال الرابع:
الرأي: أوافق جزئيًا على هذه المقولة.

  • من جهة أوافق: لأن الإفراط في استخدام الرموز الشخصية جدًا أو الأساطير الغامسةالمشهورة دون سياق يجعل القصيدة حكرًا على النخبة المثقفة ويحجبها عن عامة الناس، مما يفقد الشعروظائفه الأساسية وهي التواصل.

  • من جهة لا أوافق: لأن الغموض في الكثير من النصوص ليس غاية في ذاته، بل هو ناتج عن عمق الرؤية وتعقيد التجربة. الشعر الجيد يثق بقارئه ويحفزه على التفكير والتأمل. furthermore, هناك العديد من القصائد التي وظفت الرمز والأسطورة بشكل واضح ومؤثر ووصلت للجمهور (كبعض قصائد السياب ونزار قباني). الخلاصة: المشكلة ليست في استخدام الرمز بل في طريقة استخدامه؛ فالتوازن بين العمق والوضوح هو المفتاح.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

.