مقال: فلسطين في الشعر العربي (نضالٌ يرويه الإبداع)
تمثل قضية فلسطين القلب النابض للوجدان العربي والإسلامي، وهي القضية المركزية التي هزت ضمير الأمة وأيقظت شعورها. ولم يكن الشعر العربي بمنأى عن هذا التأثر، بل كان لسان حال الأمة ومرآة عواطفها، وسجلاً حافلاً يروي مأساة الشعب الفلسطيني، ويندد بالاحتلال، ويمجد المقاومة، ويحافظ على الذاكرة الجمعية.
ارتبط الشعر الفلسطيني بالقضية ارتباطاً عضوياً، فمنذ نكبة 1948، انبرى الشعراء ليعبروا عن الألم والفقدان. يمكن تقسيم مراحل تناول الشعر للقضية إلى عدة محطات:
مرحلة الصدمة والرثاء (ما بعد النكبة): تميزت بالحزن العميق ورثاء المدن والقرى المهجرة، كما في قصيدة "البردوني" وغيره. كان التركيز على وصف المأساة وفتح الجرح.
مرحلة التحرك والمقاومة (ستينيات وسبعينيات القرن الماضي): برز فيها شعراء مثل محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، الذين حولوا الشعر من مجرد رثاء إلى سلاح مقاومة، يثير الحماس ويشحذ الهمم ويؤكد على الهوية والانتماء. أصبح الشعر "هوية" و"بطاقة شخصية" كما قال درويش.
مرحلة التعمق الرمزي والإنساني (ما بعد ذلك): حيث غاص الشعراء في الرموز التاريخية والدينية (كنعان، المسيح، القدس، زيتون الأرض) لتعميق أبعاد القضية وربطها بصراع الوجود والهوية، وليس مجرد صراع على أرض.
لقد نجح الشعر الفلسطيني والعربي في تحويل القضية من حدث سياسي إلى قضية إنسانية وأخلاقية، تخص كل حر في العالم. لقد حافظ الشعر على جذوة القضية حية في النفوس، ونقل المعاناة إلى العالم أجمع، وكان دافعاً للمقاومة وسجلاً تاريخياً لا يموت.
أسئلة وأجوبة نقدية وتحليلية
أولاً: أسئلة النقد والتقويم والرأي
ما رأيك في دور الشعر في الحفاظ على قضية فلسطين حية في الذاكرة العربية؟
الإجابة: يلعب الشعر دوراً محورياً لا يقل أهمية عن الدور السياسي أو الإعلامي. فالشعر، بصفته فناً يعتمد على العاطفة والصور البلاغية المؤثرة، يخترق القلب ويعلق في الذاكرة. لقد نجح في تحويل القضية من مجرد أحداث إلى جزء من الهوية والثقافة العربية، مما يضمن انتقالها بين الأجيال.
قوّم (قيّم) تجربة محمود درويش في تناول القضية الفلسطينية. ما مظاهر القوة فيها؟
الإجابة: تمتاز تجربة درويش بالقوة والثراء بسبب:
التجديد في الرمز: استخدم رموزاً جديدة ومبتكرة (كالليمون، والزيتون، الأم، الخبز) ليجسد بها الوطن والمعاناة.
الانزياح عن المباشرة: ابتعد عن الخطاب المباشر إلى خطاب شعري عميق، يجمع بين الذاتي والجماعي.
الانزياح عن المباشرة: صهر القضية في بوتقة إنسانية universelle جعلتها تلامس كل إنسان.
صياغة الهوية: ساهم في صياغة هوية الفلسطيني كـ"صابر، مقاوم، مرتبط بأرضه".
ثانياً: أسئلة تحليل الرأي والحجج
كيف دافع الشعراء عن حق الفلسطينيين في أرضهم؟ استشهد بحجج من النص أو من خارجها.
الإجابة: دافع الشعراء عن هذا الحق بعدة حجج قوية:
الحجة التاريخية: بالاستناد إلى تاريخ الأرض العريق وربطها بالحضارات الكنعانية القديمة.
الحجة الإنسانية: بتصوير معاناة الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال، مما يثير التعاطف العالمي.
حجة الحق الطبيعي: بتصوير ارتباط الفلاح بأرضه ارتباطاً وجودياً، كما في قول محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة... حق الشروق".
حجة المقاومة المشروعة: بتصوير المقاومة كرد فعل طبيعي على الظلم والاحتلال.
حلل الصورة الشعرية في بيت محمود درويش: "سجِّلْ أنا عربيْ ورقم بطاقتي خمسون ألفْ". ما الرسالة التي يحملها هذا البيت؟
الإجابة: الصورة هنا "صورة سجل/هوية". يحول الشاعر نفسه إلى رقم في سجل الاحتلال، لكنه يستخدم هذا الرقم ذاته كأداة للمقاومة. الرسالة هي التحدي والإصرار على الهوية رغم كل محاولات الطمس والتهميش. إنه تأكيد على الوجود ("أنا هنا") ورفض للغياب.
ثالثاً: أسئلة التركيب والتقويم
بماذا تفسر تحول الشعر الفلسطيني من الرثاء إلى المقاومة؟
الإجابة: هذا التحول كان طبيعياً وضرورياً. فالمرحلة الأولى (الرثاء) كانت رد فعل على الصدمة والمفاجأة. لكن مع استمرار الاحتلال، أدرك الشعراء أن البكاء وحده لا يسترد حقاً، فتحولوا إلى خطاب المقاومة لتحويل الطاقة الحزينة إلى طاقة ثورية وكفاحية، ولإيقاظ الأمة وتحفيزها على النضال.
هل ما زال الشعر يلعب نفس الدور المؤثر في زمن وسائل التواصل الاجتماعي؟ برر إجابتك.
الإجابة: نعم، لكن بطريقة مختلفة. لم يفقد الشعر قوته التأثيرية، بل أصبح ينشر بسرعة أكبر عبر منصات التواصل، مما يوسع دائرة تأثيره. إلا أن المنافسة أصبحت أكبر مع أشكال أخرى من التعبير (مقاطع الفيديو، المنشورات). تبقى قوة الشعر في خلوده، وقدرته على التكثيف والتأثير العاطفي العميق الذي تفتقده الكثير من الوسائل السريعة.
نصائح لطلبة البكالوريا
احفظ استشهادات: احفظ أبياتاً أو عبارات قصيرة لمحمود درويش، سميح القاسم، وإبراهيم طوقان (موطني) لتستشهد بها في موضوعك.
افهم الرموز: ركز على فهم الرموز المتكررة (القدس، الزيتون، الأرض، الأم، السجن).
اربط بالقيم: استخرج دائماً القيم من النصوص (قيمة المقاومة، التحرر، التمسك بالهوية، الحب، التضحية).
انطلق من التحليل إلى التركيب: لا تكتفِ بوصف النص، بل انقد وحلّل واربط بسياقه التاريخي والاجتماعي.
راجع مصطلحاتك الأدبية: تأكد من فهمك لمعاني مصطلحات مثل: الصورة الشعرية، الرمز، الأسطورة، الإيقاع، وأنواع الخطاب (الوجداني، الاحتجاجي، الملحمي).
خلاصة
قضية فلسطين هي القضية المركزية التي جسدها الشعر العربي كـقضية وجود وهوية. تطور الخطاب الشعري من الرثاء إلى المقاومة إلى التعمق الرمزي والإنساني. كان الشعر سلاحاً للمقاومة، وذاكرة للأمة، وصوتاً للمظلوم، وسيبقى شاهدا على العدوان وناصراً للحرية.
امتحان نموذجي مع الحل
النص:
(مقطع من قصيدة "بطاقة هوية" لمحمود درويش)
سَجِّلْ
أَنَا عَرَبِيٌّ
وَرقْمُ بِطاقَتِي خَمْسُونَ أَلْفْ
وَأَطْفَالِي ثَمَانِيَةٌ
وَتَاسِعُهُمْ.. يَأْتِي بَعْدَ صَيْفْ
فَهَلْ تَغْضَبُ؟
سَجِّلْ
أَنَا عَرَبِيٌّ
وَ مَعَ أَصْحابِي فِي الْمَحْجَرِ
.. غَضَبِي
وَ فِي سَاعَةِ الْجُوعِ
.. آكُلُ لَحْمَ مُتَسَوِّلِي
وَ أَخْزَى إِذَا جَاعَ قَرِيبِي
.. إِلَى حَدِّ الْعُنْفِ
فَهَلْ تَغْضَبُ؟
الأسئلة:
اسئلة الفهم: (2 ن)
ما هو الموقف الذي يوجه منه الشاعر كلامه؟
لماذا يكرر الشاعر عبارة "سجل أنا عربي"؟
اسئلة التحليل: (4 ن)
حلل بناء الجملة في القصيدة وأثرها في المعنى.
ما قيمة التكرار في القصيدة؟ وما الغاية منه؟
اسئلة التركيب والنقد: (4 ن)
كيف عبر الشاعر عن مفهوم المقاومة في هذا المقطع؟ وهل هي مقاومة مباشرة أم غير مباشرة؟ بين ذلك.
ما رأيك في موقف الشاعر؟ هل هو موقف تحدٍ أم استسلام؟ برر إجابتك.
الإجابة النموذجية للامتحان
اسئلة الفهم:
يوجه الشاعر كلامه لموظف الاحتلال الإسرائيلي في مركز التوقيف أو عند إصدار بطاقة الهوية، وهو موقف إذلال وقهر.
يكررها لتأكيد الهوية في وجه محاولات الطمس، وإظهار التحدي والافتخار بالانتماء رغم الظروف.
اسئلة التحليل:
بناء الجملة قصير، حازم، وأمرِي ("سجل")، مما يعكس حدة الموقف وقوة التحدي الذي يبديه الشاعر. إنها جمل تشبه الطلقات، ترفض التهميش.
التكرار (سجل، أنا عربي، فهل تغضب?) له عدة غايات:
تأكيد الهوية والوجود.
خلق إيقاع يشبه الهمس المتواصل أو التحدي المتكرر.
إثارة غضب المحتل، فهو يستفزه باستمرار بسؤال "فهل تغضب؟".
اسئلة التركيب والنقد:
عبر عن المقاومة بشكل غير مباشر، فهي مقاومة ثقوية وهوياتية. مقاومة بالكلمة والوجود والرفض. إنه يرفض أن يكون رقمًا مجرداً، ويصر على أن يكون إنساناً له هوية وكيان وأسرة.
في رأيي، الموقف هو موقف تحدٍ صارخ وليس استسلاماً. فالشاعر، رغم إذلال الموقف، يتحكم هو في الخطاب ويوجهه. هو من يأمر "سجل"، وهو من يستفز المحتل بسؤاله. إنها مقاومة بالإرادة والكلمة قبل البندقية.

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire