تحسين التدريس في التعليم العالي

 تعزيز التدريس في التعليم العالي

مقاربات جديدة لتحسين تعلم الطلاب

بالتأكيد. إن تعزيز التدريس في التعليم العالي هو محور أساسي لتحقيق جودة تعلم الطلاب وتهيئتهم لمتطلبات العصر. إليك مقاربات جديدة وشاملة لتحقيق ذلك، تتجاوز النموذج التقليدي القائم على المحاضرة فقط.

أولاً: التحول من "التدريس" إلى "تسهيل التعلم"

جوهر التطوير هو تحويل دور الأستاذ من مُلقن للمعلومات إلى مُصمم لتجارب التعلم، وموجه، وميسر للنقاش.

---

ثانياً: مقاربات جديدة لتحسين تعلم الطلاب (تطبيقية)

1. التعلم المقلوب (Flipped Learning)

• الفكرة: عكس النموذج التقليدي. يطلع الطلاب على المواد الأساسية (محاضرات مسجلة، قراءات، موارد) خارج الفصل، بينما يُخصص وقت المحاضرة للأنشطة التطبيقية، والمناقشات، وحل المشكلات، والعمل الجماعي.

• الميزة: يستفيد من وقت التفاعل المباشر بشكل أفضل، يشجع على التعلم النشط، ويسمح بتقديم دعم مخصص داخل القاعة.

2. التعلم القائم على المشاريع/المشكلات (Project-Based / Problem-Based Learning - PBL)

• الفكرة: تقديم مشكلة حقيقية أو معقدة للطلاب (أفراد أو مجموعات) للبحث عن حلول لها. يركز على عملية البحث والتحليل والتقييم وصولاً إلى منتج نهائي (تقرير، نموذج، عرض).

• الميزة: يطور مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، والتواصل – وهي مهارات أساسية لسوق العمل.

3. دمج التكنولوجيا بشكل ذكي (Smart Technology Integration)

• أدوات التفاعل: استخدام منصات مثل Mentimeter, Kahoot, Padlet لجعل المحاضرات تفاعلية، وجمع الآراء بشكل فوري، وتحفيز المشاركة.

• التعلم التكيفي: استخدام برامج وموارد رقمية تتكيف مع مستوى كل طالب، وتوفر أنشطة ودعماً مخصصاً بناءً على أدائه.

• الواقع المعزز والافتراضي (AR/VR): لإنشاء محاكاة لمواقف يصعب تجربتها في الواقع (كالتدريب الجراحي للطلاب الطب، أو زيارة مواقع أثرية لطلاب التاريخ).

4. التقييم التكويني والتقييم البديل (Formative & Alternative Assessment)

• التحول من التقييم النهائي (الامتحان فقط) إلى التقييم المستمر:

  • التقييم التكويني: quizzes قصيرة، أسئلة خلال المحاضرة، مناقشات، لتقييم فهم الطلاب وتعديل التدريس بناءً على ذلك.

  • التقييم البديل: تقييم الأداء من خلال مهمات محكمة (Rubrics)، ملفات إنجاز الطالب (E-portfolios)، العروض التقديمية، تقييم الأقران (Peer Assessment). وهذا يعكس عملية التعلم نفسها وليس فقط الناتج النهائي.

5. التعلم الشخصي (Personalized Learning)

• الفكرة: الاعتراف بأن الطلاب لديهم خلفيات وأساليب تعلم وأهداف مهنية مختلفة.

• التطبيق: تقديم خيارات للطلاب في كيفية استيعاب المحتوى (مقروء، مسموع، مرئي) أو في اختيار مواضيع المشاريع التي تناسب اهتماماتهم، واستخدام البيانات من أنظمة إدارة التعلم (LMS) لتحديد الطلاب المتعثرين وتقديم الدعم المبكر.

6. التعلم القائم على العملية (Process-Oriented Learning)

• الفكرة: التركيز على "كيفية" التفكير والوصول إلى المعلومة وليس فقط على المعلومة نفسها.

• التطبيق: تعليم الطلاب استراتيجيات التعلم (كيفية قراءة بحث علمي، كيفية كتابة ورقة أكاديمية، كيفية إدارة الوقت)، وتشجيعهم على التفكير في عملية تعلمهم (ميتا-كوجنشن).

7. خلق بيئة تعلم داعمة وشاملة (Inclusive & Supportive Environment)

• التربية الشاملة (Inclusive Pedagogy): تصميم المقرر وأنشطته ليكون في متناول جميع الطلاب، بغض النظر عن خلفياتهم أو قدراتهم.

• تعزيز النفسية الإيجابية (Psychologically Safe Classroom): خلق بيئة يحترم فيها الجميع، ويشعر الطلاب بالأمان لتقديم آرائهم وحتى ارتكاب الأخطاء كجزء من عملية التعلم.

• التعليم المتمايز (Differentiated Instruction): تقديم محتوى وأنشطة وتقييمات بمستويات صعوبة مختلفة لتلبية احتياجات جميع المتعلمين.

---

ثالثاً: دور المؤسسة والأستاذ في تعزيز هذه المقاربات

• دور الأستاذ:

  • التدريب المستمر: المشاركة في ورش عمل لتطوير المهارات التدريسية.

  • التأمل (Reflection): التفكير النقدي في ممارساته التدريسية وما يصلح للتحسين.

  • التعاون: العمل مع زملائه لتصميم مقررات متعددة التخصصات وتبادل أفضل الممارسات.

• دور المؤسسة التعليمية:

  • توفير الموارد: توفير الفصول المجهزة تقنياً، ومنصات التعلم الإلكتروني، ودعم فني.

  • الحوافز: اعتبار التميز في التدريس معياراً مساوياً للبحث العلمي في الترقيات وتقييم الأداء.

  • إنشاء مراكز التميز في التدريس: مراكز متخصصة لتقديم الاستشارات والتدريب والدعم الأكاديمي للهيئة التدريسية.

خاتمة

تعزيز التدريس في التعليم العالي لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة. يتطلب الأمر تحولاً جوهرياً من نموذج المرسل (الأستاذ) والمستقبل (الطالب) إلى نموذج تفاعلي حيث يكون الطالب محور العملية التعليمية. نجاح هذه المقاربات مرهون بتبنيها من قبل الأساتذة، ودعمها من قبل المؤسسات، وتفاعل الطلاب معها، مما يؤدي في النهاية إلى إعداد خريجين مفكرين، مبدعين، وقادرين على التعلم مدى الحياة.