مقال أكاديمي في علوم البلاغة العربية
مقدمة
تعد علوم البلاغة (المعاني، البيان، البديع) من أرقى العلوم العربية، فهي المفتاح لفهم إعجاز القرآن الكريم وجمال الأدب العربي. ينظمها هيكل دقيق يكشف عن مواطن الجمال والفصاحة في الكلام. هذا المقال يسلط الضوء على بعض أساسيات هذه العلوم.
الباب الأول: الفرق بين السجع والجناس (من علم البديع)
1. السجع
التعريف: هو توافق الفاصلتين في الكلام على حرف واحد في الآخر. أي أن الكلمتين أو الجملتين تنتهيان بنفس الحرف أو القافية.
الغرض: يعطي الكلام نغمة موسيقية جميلة، فيجعله سهل الحفظ، مؤثرًا في السمع.
الأمثلة:
من القرآن: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. (خُسْرٍ - الصَّبْرِ).
من الأمثال: "الصيف ضيعت اللبن". (ضيعت - اللبن).
2. الجناس
التعريف: هو تشابه لفظين في النطق مع اختلافهما في المعنى.
الغرض: إثارة الذهن لاكتشاف التشابه اللفظي والتفاوت المعنوي، مما يخلق متعة ذهنية.
الأنواع:
جناس تام: quando يتفق اللفظان في نوع الحروف وعددها وترتيبها وحركاتها.
مثال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾. (السَّاعَةُ - سَاعَةٍ).
جناس ناقص: quando يختل أحد شروط الجناس التام (كاختلاف عدد الحروف أو نوعها أو ترتيبها).
مثال: "وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" / "إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ". (اختلاف في الحركات والترتيب).
الفرق الجوهري بين السجع والجناس
| السجع | الجناس |
|---|---|
| يتعلق بتناغم نهاية الجمل (الفواصل). | يتعلق بتطابق كلمتين داخل النص. |
| يشترط توافق الحرف الأخير فقط. | يشترط توافق جميع حروف الكلمة أو معظمها. |
| يبحث في الإيقاع الموسيقي. | يبحث في التشابه اللفظي والتناقض المعنوي. |
الباب الثاني: الفرق بين المجاز العقلي والمجاز المرسل (من علم البيان)
1. المجاز المرسل
التعريف: هو ذكر الكلمة على خلاف معناها الأصلي لوجود علاقة غير المشابهة بين المعنى الأصلي والجديد، مع وجود علاقة سياقية (قرينة) تمنع فهم المعنى الأصلي.
العلاقة: تكون علاقة مكانية، زمانية، سببية، جزئية، إلخ.
الأمثلة:
"نَزَلَ المطرُ من السَّمَاءِ". (المجاز في "نزل"، العلاقة هي المكانية، فالمطر لا ينزل كالإنسان، ولكن الهبوط من مكان عالٍ).
"شَرِبْتُ الكُؤُوسَ". (المجاز في "الكؤوس"، العلاقة هي الجزئية (الكلية)، حيث أقصد محتواها (الشراب) وليس الكؤوس ذاتها).
2. المجاز العقلي
التعريف: هو نسب الفعل أو الوصف إلى غير من هو له (أي غير فاعله الحقيقي)، لوجود علاقة بينهما مع وجود قرينة.
الفكرة: لا يوجد مجاز في اللفظ نفسه، ولكن المجاز في النسبة والإسناد.
الأمثلة:
"أَخْرَجَتِ الأَرْضُ نَبَاتَهَا". (النبات خرج بفعل الله تعالى، ولكن أُسند الإخراج إلى الأرض مجازًا لعلاقة المكان، فالزرع ظهر فيها).
"جَرَى النَّهْرُ". (الجري من صفات الحيوان، ولكن أُسند إلى النهر لعلاقة المشابهة في حركة الماء وحركة الجاري).
الفرق الجوهري بين المجاز المرسل والعقلي
| المجاز المرسل | المجاز العقلي |
|---|---|
| المجاز في اللفظ نفسه (كلمة "كؤوس" بدل "شراب"). | المجاز في نسبة الفعل أو الصفة إلى غير فاعله الحقيقي. |
| العلاقة بين المعنى الأصلي والجديد (مكان، زمان...). | العلاقة بين المسند والمسند إليه (سببية، مكان...). |
| مثال: "كؤوس" (لفظ مجازي). | مثال: "أخرجت الأرض" (إسناد مجازي). |
الباب الثالث: تعريف علم المعاني عند القزويني (الخطيب)
اشتهر عبد القاهر الجرجاني بتأسيس علم المعاني، ولكن خَطِيبُ الدِّمَشْقِ (جلال الدين القزويني) هو من نظم هذه العلم ووضحه في كتابه الشهير "التلخيص في علوم البلاغة".
تعريفه لعلم المعاني: هو العلم الذي يُبحث فيه عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال. أي أن يكون الكلام ملائمًا للسياق الذي يُقال فيه، والمخاطب، والزمان، والمكان، والغرض.
أهدافه: معرفة كيف يكون الكلام فصيحًا (صحيحًا لغويًا) ثم بليغًا (موافقًا لمعناه موافقة تامة بحسب حالة المخاطب).
موضوعاته: يدرس أحوال الجملة وأجزائها مثل: الخبر والإنشاء، القصر، الفصل والوصل، الإيجاز والإطناب والمساواة، وغيرها، وكل ذلك لتحقيق مطابقة مقتضى الحال.
الباب الرابع: نشأة البيان العربي
نشأ علم البيان وتطور على عدة مراحل:
العصر الجاهلي وصدر الإسلام: كان العرب يمتلكون ذوقًا فطريًا في استخدام المجاز والاستعارة والكناية في شعرهم وخطبهم، وكان القرآن الكريم أعلى نموذج للبيان المعجز.
عصر التدوين (القرن الثاني الهجري): بدأ العلماء بجمع اللغة والشعر، وظهرت محاولات أولى لدراسة الظواهر البلاغية.
ظهور علماء التأصيل (القرن الرابع والخامس الهجري): كانت الانطلاقة الحقيقية مع:
أبي بكر الباقلاني في "إعجاز القرآن".
عبد القاهر الجرجاني (أهم مؤسس) في كتابيه "أسرار البلاغة" (ركز على علم المعاني) و"دلائل الإعجاز" (ركز على النظم والبيان). فهو أول من وضع أسسًا نظرية متينة للاستعارة والمجاز.
عصر التنظيم والتبويب (القرن السابع الهجري فما بعد): جاء العلماء لتنظيم ما وضعه عبد القاهر، وأشهرهم:
السكاكي في كتابه "مفتاح العلوم"، حيث قسم البلاغة إلى علوم ثلاثة: المعاني، البيان، البديع.
الخطيب القزويني الذي اختصر كتاب السكاكي في "التلخيص"، ثم شرحه في "الإيضاح"، فأصبحا من أهم المراجع في преподаادة البلاغة حتى يومنا هذا.
الباب الخامس: أسئلة التقويم والرأي والتحليل
أولاً: أسئلة النقد والتقويم والرأي
نقد: هل تعتقد أن دراسة هذه الفروق الدقيقة (كالفرق بين المجاز العقلي والمرسل) لا تزال ذات قيمة في عصرنا الرقمي؟ برر رأيك.
الإجابة النموذجية: نعم، لا تزال ذات قيمة كبيرة. فهي لا تطور الذوق الجمالي للأدب فحسب، بل تنمي مهارة التفكير النقدي والتحليلي، والقدرة على فهم المغزى من وراء الخطاب الإعلامي والسياسي اليومي الذي يعتمد بكثافة على المجاز والصور البلاغية.
رأي: أي نوع من المحسنات البديعية (السجع أم الجناس) تراه أكثر تأثيرًا في القارئ؟ ولماذا؟
الإجابة النموذجية: الجناس أكثر تأثيرًا من الناحية الذهنية والفكرية، لأنه يخلق مفارقة ذكية بين اللفظ والمعنى. بينما السجع أكثر تأثيرًا من الناحية العاطفية والسمعية، لأنه يعتمد على الإيقاع الموسيقي الذي يسهل ترسيخ المعنى في الذهن.
ثانيًا: أسئلة تحليل الرأي والحجج
السؤال: يقول قائل: "المجاز العقلي هو في الحقيقة نوع من المجاز المرسل، لأن العلاقة في كليهما واحدة (كالمكان أو السببية)". حلل هذا الرأي وناقشه.
التحليل: هذا الرأي قائم على خلط بين مجالين. صحيح أن العلاقة قد تتشابه (كالمكان)، ولكن مجال المجاز مختلف جوهريًا:
في المجاز المرسل، المجاز في استعمال اللفظ نفسه في غير معناه الأصلي.
في المجاز العقلي، اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي (مثال: "أخرجت" فعل حقيقي)، ولكن المجاز في نسبته وإسناده إلى غير فاعله الحقيقي (الأرض وليس الله). لذلك هما نوعان مستقلان.
ثالثًا: أسئلة التركيب والتقويم
السؤال: كيف ساهم تعريف القزويني لعلم المعاني ("مطابقة الكلام لمقتضى الحال") في رفع مستوى الخطاب Communication في الحضارة العربية الإسلامية؟
الإجابة (تركيب): ساهم هذا المفهوم في جعل الخطاب أكثر حكمة وفعالية، فهو يدفع المتكلم إلى مراعاة:
المخاطب: (عالم أم جاهل، صديق أم عدو) فيختار الأسلوب المناسب (خبر أو إنشاء، إيجاز أو إطناب).
السياق والزمان والمكان: فلا يمدح في مكان الذم، ولا يطنب حيث يقتضي الإيجاز.
الغرض: فيصبح الكلام واضحًا ومركزًا على الهدف.
وهذا يجعل التواصل أكثر نجاحًا وبلاغة.
رابعًا: نصائح للطالب
افهم، لا تحفظ: ركز على فهم العلاقة المنطقية behind every تعريف.
استعن بالأمثلة: الأمثلة هي التي ترسخ المفاهيم. حاول أن تبتكر أمثلة من عندك.
اربط بين العلوم: علم المعاني يحدد الهيكل المنطقي للكلام، وعلم البيان يزينه بالصور، وعلم البديع يضيف الطبقة الجمالية الموسيقية واللفظية. لا تفصل بينهم.
تمرن على التحليل: خذ أبياتًا شعرية أو فقرات نثرية وحاول استخراج المحسنات والصور البيانية منها.
الخلاصة
الجناس: تشابه لفظين، السجع: توافق نهايتي جملتين.
المجاز المرسل: مجاز في اللفظ، المجاز العقلي: مجاز في الإسناد.
علم المعاني عند القزويني: علم مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
نشأة البيان: بدأت فطرة، ثم وضع أسسها عبد القاهر الجرجاني، ونظمها السكاكي والقزويني.
امتحان نموذجي مع الحل
الأسئلة:
أولاً: ضع علامة (✓) أمام الإجابة الصحيحة:
المحسّن البديعي الذي يعتمد على التشابه اللفظي هو:
( ) السجع
( ) الجناس
( ) المقابلة
قولهم "شربت النهر" هو مثال على:
( ) المجاز المرسل
( ) المجاز العقلي
( ) الكناية
ثانياً: ميز نوع المجاز في العبارات الآتية (مرسل أم عقلي) مع بيان العلاقة:
"وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا". (مجاز ..............، العلاقة: .................)
"بَنَتْ الحكومةُ المُدُنَ الجديدةَ". (مجاز ..............، العلاقة: .................)
ثالثاً: اشرح باختصار تعريف علم المعاني عند الخطيب القزويني.
رابعاً: قارن بين السجع والجناس من حيث التعريف مع ذكر مثال واحد لكل منهما.
نموذج الإجابة:
أولاً:
( ✓ ) الجناس
( ✓ ) المجاز المرسل (علاقة Containment، حيث شربت من ماء النهر وليس النهر نفسه).
ثانياً:
مجاز عقلي، العلاقة: السببية (الشيب هو سبب الاشتعال المجازي، لكن الإسناد مجازي للرأس).
مجاز عقلي، العلاقة: المالية (الحكومة لم تبنِ بيدها، بل أنفقت المال ووظفت العمال، والإسناد مجازي لها).
ثالثاً: علم المعاني هو العلم الذي يبحث في مطابقة الكلام لمقتضى الحال، أي مناسبة الكلام للسياق، والمخاطب، والزمان، والمكان، والغرض منه.
رابعاً:
| السجع | الجناس | |
|---|---|---|
| التعريف | توافق الفاصلتين في الحرف الأخير. | تشابه لفظين في النطق واختلافهما في المعنى. |
| مثال | "الصيف ضيعت اللبن" | "وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ" (همزة - لمزة). |

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire