بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام دين يشجع العلم والنظر في الكون، والذكاء الاصطناعي هو أحد منتجات العقل البشري الذي كرمه الله تعالى. رؤية الإسلام للذكاء الاصطناعي تنبثق من مبادئه وأخلاقياته العامة التي تحكم الإنسان مع التقنية والابتكار.
موقف الإسلام الأساسي من العلم والتقنية
يُشجع الإسلام على طلب العلم والمعرفة، قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" [الزمر: 9]. كما حثت السنة النبوية على طلب العلم حتى لو كان في الصين. لذلك، فإن تطوير وتوظيف الذكاء الاصطناعي يدخل في إطار هذا الحث العام، طالما أنه يخدم مصالح البشرية ولا يتعارض مع الضوابط الشرعية.
الضوابط الشرعية والأخلاقية
ينظر الإسلام للذكاء الاصطناعي من خلال منظومة أخلاقية تقوم على:
تحقيق المصالح ودرء المفاسد: يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تحقيق منفعة حقيقية للبشرية في مجالات مثل الطب والزراعة والتعليم والخدمات، ودرء الأضرار عنها. أي تطبيق قد يؤدي إلى ضرر محض أو ضرر أكبر من نفعه يكون مرفوضًا شرعًا.
عدم التعدي على حقوق الله: يجب ألا يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تطبيقات تتعدى على حقوق الله تعالى، مثل إنشاء آلات للعبادة أو استبدال القرارات التشريعية التي هي من اختصاص الله ورسوله (مثل تحليل النصوص الشرعية لإصدار فتاوى بدون تدخل بشري كامل).
الحفاظ على الكرامة الإنسانية: يجب ألا يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى إذلال الإنسان أو انتهاك حرماته أو كرامته. كما يجب ألا يحل محل القيم الإنسانية الأساسية مثل الرحمة والتعاطف.
العدل وعدم الظلم: يجب تصميم الخوارزميات وتدريبها بطريقة تمنع الظلم والتمييز ضد أي فرد أو مجموعة على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو غير ذلك.
المسؤولية والمساءلة: الإنسان (المبرمج، المطور، المستثمر، المستخدم) هو المسؤول عن أفعال الآلة التي صنعها أو استخدمها. لا تنتقل المسؤولية الأخلاقية أو القانونية إلى الآلة نفسها، فهي مجرد أداة.
النزاهة والشفافية: يجب أن يكون هناك وضوح وشفافية في كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة في المجالات الحساسة مثل القضاء والتمويل، لتجنب الغش والخداع.
تطبيقات محددة ورؤية إسلامية لها
الذكاء الاصطناعي في الفتوى والعلوم الشرعية: يمكن استخدامه كأداة مساعدة للباحثين والعلماء لجمع المعلومات، وتحليل النصوص، واستعراض آراء المذاهب المختلفة. ولكن لا يجوز أن يحل محل العالم المجتهد، لأن الاجتهاد requires فهمًا عميقًا للواقع والنصوص وقصد المتكلم، وهي أمور لا تمتلكها الآلة. الفتوى مسؤولية دينية لا يمكن للآلة تحملها.
الروبوتات والتفاعل الاجتماعي: يجب أن تحافظ التصميمات على الآداب العامة الإسلامية، خاصة في التعامل مع الجنسين. كما أن إضفاء صفات إنسانية كاملة (كالعواطف) على الآلات قد يؤدي إلى انحرافات أخلاقية واجتماعية.
الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد والتمويل: يشجع الإسلام على استخدامه لتحسين الكفاءة وتقليل الغش في المعاملات المالية. ولكن يجب أن يخضع للتوجيهات الإسلامية في تحريم الربا والغرر والجهالة في العقود.
الأسلحة الذاتية التشغيل: يميل الرأي الشرعي إلى تحريم أو التقييد الشديد للأسلحة التي يمكن أن تقرر بشكل مستقل إصابة(هدف) دون سيطرة بشرية مباشرة، بسبب خطأها المحتمل وصعوبة تحديد المسؤولية عن القتل، مما يتعارض مع مبادئ العدل في الإسلام.
خاتمة
الرؤية الإسلامية للذكاء الاصطناعي رؤية متوازنة؛ تشجع على الاستفادة من منافعه العظيمة وتحقيق التقدم، ولكن في إطار الأخلاقيات والضوابط الشرعية التي تحفظ كرامة الإنسان وتحقق العدل وتمنع الظلم والفساد. الإسلام لا يرفض التقنية لمجرد أنها جديدة، بل يضع لها إطارًا أخلاقيًا لضمان استخدامها في الخير وليس في الشر.
هذه الرؤية تتطلب جهدًا مشتركًا من علماء الشريعة والمتخصصين في التقنية لوضع مبادئ توجيهية أكثر تفصيلاً (فقه التقنية) لمواكبة هذا التطور الهائل.

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire