مقال في اللغة العربية: بلاغة المجاز العقلي والمرسل
مقدمة:
تعد البلاغة العربية ركيزة أساسية لفهم جماليات النص الأدبي وإدراك أسراره، ومن أبرز أبوابها علم البيان الذي يهتم بتوضيح المعنى الواحد بطرق مختلفة. ويأتي المجاز كأهم أداة بيانية لتوسيع دائرة التعبير وإثراء الدلالة. وينقسم المجاز إلى لغوي (الاستعارة والكناية) وعقلي، وهو محور حديثنا اليوم إلى جانب المجاز المرسل.
أولاً: المجاز المرسل (علاقة الحذف والذكر)
هو أن تستعمل كلمة في غير معناها الأصلي لوجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، مع قرينة تمنع المعنى الأصلي. وتنقسم علاقات المجاز المرسل إلى أنواع كثيرة، أشهرها:
السببية: قوله تعالى: >وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ< (الإسراء: 24). العلاقة هنا السببية، حيث إن الرحمة هي السبب في خفض الجناح (التواضع).
المسببية: قولهم: "نزل المطر فاخضرَّ الأرض". العلاقة مسببية، فالمطر هو المسبب عن اخضرار الأرض.
الجزئية: "رفعت المصحف وأنا أقرأ". العلاقة جزئية، فالمصحف (الكل) أُطلق على الجزء (الورق أو الصحائف).
الكليّة:"أعجبني قول حافظ إبراهيم". العلاقة كلية، فالقول (الجزء) أُطلق على الكل (الشاعر نفسه أو شعره كله).
ثانيًا: المجاز العقلي (علاقة النسبة)
هو أن تنسب الفعل أو ما في معناه إلى غير من هو له (أي غير فاعله الحقيقي)، مع وجود قرينة تمنع النسبة الأصلية. وهو مجاز لا في الكلمة نفسها، بل في نسبة الفعل إلى فاعله.
نسب الفعل إلى زمانه: "هذا شهر رمضان أطعمك وأسقاك". الصحيح أن الله هو الرزاق، ولكن نُسب الإطعام والسقاء إلى الزمان (شهر رمضان) مجازًا لعظم فضله.
نسب الفعل إلى مكانه: "مصر تنتج أطيب القطن". الصحيح أن المصريين هم المنتجون، ولكن نُسب الفعل إلى المكان (مصر) للمبالغة في الاتصاف بهذه الصفة.
نسب الفعل إلى سببه: "الجد يبني دولة والكسل يهدمها". الصحيح أن الناس هم الذين يبنون ويهدمون، ولكن نُسب الفعل إلى سببه (الجد والكسل) للمبالغة في بيان أثرهما.
الفرق الجوهري بينهما: المجاز المرسل مجاز في الكلمة نفسها (الرحمة، المطر، المصحف)، بينما المجاز العقلي مجاز في النسبة (نسبة الفعل إلى غير فاعله الحقيقي).
أسئلة النقد والتقويم والرأي (لمناقشة الموضوع)
سؤال نقدي: هل ترى أن تقسيم البلاغيين القدماء للمجاز إلى مرسل وعقلي تقسيم دقيق ووافٍ، أم أنه يعقد العملية التحليلية للنص دون داعٍ؟
رأي وتحليل: التقسيم دقيق من ناحية أكاديمية لأنه يضع إطارًا منهجيًا لفهم آلية خروج الكلمة عن معناها الأصلي (هل الخروج في ذات الكلمة أم في نسبتها). لكنه قد يُعقد التحليل للطالب المبتدئ. القيمة الحقيقية لهذا التقسيم تكمن في إدراك براعة المتكلم ودقة اختياره، مما يثري عملية النقد الأدبي.
سؤال تقويمي: ما مدى فعالية استخدام المجاز العقلي في الخطاب الإعلامي والسياسي المعاصر؟ (مثل: "واشنطن تفرض عقوبات"، "السوق ينهار").
رأي وتحليل: فعال جدًا ولكنه خطير. فهو فعال لأنه يختزل حدثًا معقدًا في صورة بسيطة وقوية تعلق في الذهن (تجنيس أو تشخيص). لكنه خطير لأنه يخفي الفاعل الحقيقي (صناع القرار في واشنطن، المستثمرون الكبار) ويقدم صورة حتمية وكأن المدن أو المؤسسات هي التي تفعل بنفسها، مما قد يبعد الجمهور عن المساءلة الحقيقية.
سؤال تركيب: كيف يتضافر المجاز المرسل والعقلي مع غيرهما من الأساليب البيانية (كالمحسنات البديعية) في بناء صورة أدبية مكتملة؟
رأي وتحليل: يعملان في تناغم تام. قد تأتي صورة أساسها مجاز مرسل (علاقة سببيه) ثم يُنسَب فعل فيها مجازًا عقليًا ليعطيها قوة وحيوية. مثل قول الشاعر: "غاض الوادي فشكتِ الغدرانُ". هنا "غاض" مجاز عقلي (نسب فعل الماء إلى المكان)، و"شكت" استعارة تصريحية (تشخيص). هذا التضافر يخلق نصًا حيًا ومشهدًا دراميًا متكاملًا.
نصائح لطلبة البكالوريا
افهم ولا تحفظ: لا تحفظ التعريفات والأمثلة عن ظهر قلب. افهم الفكرة الجوهرية: المجاز هو استخدام الكلمة في غير معناها الأصلي لعلاقة مع قرينة.
القرينة مفتاح الحل: تدرب على اكتشاف القرينة التي تمنع المعنى الأصلي في كل مثال؛ فهي دليلك القاطع على وجود المجاز.
تمييز العلاقة: في المجاز المرسل، ركز على اكتشاف العلاقة (سببية؟ مسببية؟ جزئية؟). في المجاز العقلي، ركز على اكتشاف من هو الفاعل الحقيقي ثم لماذا نُسب الفعل إلى غيره.
التطبيق العملي: أكثر من تطبيق القاعدة على أبيات شعرية ونصوص نثرية من خارج المنهج؛ فهي التي تثبت المعلومة وتنمي ملكة التحليل.
التعبير عن الفكرة: عند الإجابة في الامتحان، اكتب بإيجاز ودقة. مثلاً: "هذا مجاز عقلي، حيث نُسب الفعل (يكلم) إلى غير فاعله الحقيقي (اللسان) وهو من حق الإنسان، والقرينة عدم قدرة اللسان وحده على الكلام دون عقل."
خلاصة
المجاز المرسل: مجاز في الكلمة لعلاقة (كالسببية والمسببية) مع قرينة.
المجاز العقلي: مجاز في النسبة (نسبة الفعل إلى غير فاعله الحقيقي) لعلاقة مع قرينة.
القرينة: elemento أساسي في كل أنواع المجاز، تمنع المعنى الأصلي وتوجه towards المعنى المجازي.
الهدف: تحقيق البلاغة والإيجاز والتشخيص والمبالغة وتجميل المعنى.
امتحان نموذجي مع الحل
السؤال الأول: عين نوع المجاز في العبارات الآتية، موضحًا العلاقة أو سبب النسبة:
"قرأتُ حافظ إبراهيم فأعجبني."
"هبت الريح فاقتلعت الأشجار."
"بنى سليمانُ بيت المقدس."
"جرت دموعها على خديها."
السؤال الثاني: ما الفرق بين المجاز في الجملتين الآتيتين:
أ- "أطعمتني دار الجوار حتى شبعتُ."
ب- "أطعمتني خبز دار الجوار حتى شبعتُ."
السؤال الثالث: استخرج المجاز المرسل والعقلي من البيت الشعري الآتي، وبيّن أنواعهما:
يَقُولُونَ فِي الْعِدَاةِ بَأْسُ عَامِرٍ وَفِي الْحَلْبَةِ الْبُطُونُ مِنَ الضَّرَاعِ
الإجابات النموذجية
الإجابة عن السؤال الأول:
مجاز مرسل علاقة كلية (أُطلق الشاعر "حافظ إبراهيم" على أشعاره، فالكل أُطلق على الجزء). القرينة: "قرأتُ".
مجاز مرسل علاقة مسببية (أُطلق السبب "هبت" على المسبب "اقتلعت"). القرينة: العقل يدرك أن الريح لا تقلع بنفسها بل هي سبب الاقتلاع.
مجاز عقلي، نُسب الفعل "بنى" إلى سليمان، والفاعل الحقيقي هم العمال والبناؤون. سبب النسبة: المبالغة في إضافته إليه كقائد ومُشرف. القرينة: معرفتنا أن الملوك لا يبنون بأيديهم.
مجاز عقلي، نُسب الفعل "جرت" إلى الدموع، والفاعل الحقيقي هي صاحبة الدموع (هي التي أبكتها فجرت). سبب النسبة: المبالغة في وصف جريانها وكثرتها. القرينة: الدموع جماد لا يتحرك بإرادة.
الإجابة عن السؤال الثاني:
في الجملة (أ): مجاز عقلي، حيث نُسب الفعل "أطعمتني" إلى "الدار" (مكان) وهي غير الفاعل الحقيقي (أهل الدار). سبب النسبة: المبالغة في إكرام أهل هذه الدار.
في الجملة (ب): مجاز مرسل، حيث أُطلقت "دار الجوار" على "خبز أهلها"، فالعلاقة مكانية (أُطلق المكان على ما فيه). القرينة: "خبز".
الإجابة عن السؤال الثالث (بيت الشعر):
"بَأْسُ عَامِرٍ": مجاز مرسل علاقة جزئية (أُطلق اسم القبيلة "عامر" على أفرادها الأشداء، فالكل أُطلق على الجزء).
"الْبُطُونُ مِنَ الضَّرَاعِ": مجاز مرسل علاقة سببية (الضرع هو سبب اللبن الذي يملأ البطون، فأُطلق السبب على المسبب).
"يَقُولُونَ": يمكن اعتباره مجازًا عقليًا إذا أُخذ بنظرية النسبة، حيث نُسب القول إلى "هم" الغائبين (الواو) مع أن الفاعل الحقيقي قد يكون شخصًا محددًا، للتعميم. ولكن الأهم هو المجازان المرسلان.
بالتوفيق والنجاح إن شاء الله.

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire